فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الجواب من وجهين:
الأول: أنه أراد الدعاء والمنازعة ولم يرد العزم على المعصية، وهو لا يبرئ نفسه عما لا يقوى عنه طباع البشر.
الثاني: هو أن هذا من كلام المرأة لا من كلام يوسف عليه السلام بدليل أن هذا مسوق إلى كلام المرأة فانه تعالى قال: {وقالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين ذلك ليعلم انى لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدى كيد الخائنين وما أبرئ نفسي إن النفس لامارة بالسوء} الكلام على كلام المرأة. فقوله تعالى: {ذلك ليعلم انى لم أخنه بالغيب} من كلام المرأة لا من كلام يوسف. والمكنى عنه في قوله: {لم أخنه} هو يوسف. وهو غائب في السجن، ولم أقل فيه لما سئلت عن قصتي إلا الحق، وليس في القرآن ما يدل على أن ذلك من قول يوسف عليه السلام. ومهما جعل ذلك من قول يوسف عليه السلام احتيج إلى حذف طويل من رجوع الرسول إلى يوسف عليه السلام، وإخباره بما قاله له حتى يجيبه يوسف عليه السلام، ثم رجوع الرسول إلى الملك ثانيا وإخباره إياه بمقالة يوسف عليه السلام حتى يقول الملك {ائتونى به أستخلصه لنفسي} وهذا محال لا يجوز مثله في القرآن ولا في الشعر. ولو جعلنا ذلك من قول يوسف عليه السلام لم يوجب ذلك إلحاق الفاحشة به، بل هو أدل دليل على براءة ساحته وذلك لأنه قال: {ليعلم أنى لم أخنه بالغيب} ولا خيانة أعظم من الهم بامرأته والقعود منها مقعد الرجل من امرأته.
الشبهة الرابعة:
أنهم سجنوا يوسف عليه السلام، وذلك معصية بالاتفاق وأنه عليه السلام قال: {رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه} فيدل ذلك على محبته لتلك المعصية، ومحبتها معصية.
الجواب من وجهين:
الأول: المراد من الاحب الاخف والاسهل فهذا كمن يخير بين شيئين مكروهين جدا، فيقول إن كذا أحب إلى، أي أخف.
الثاني: أن توطين النفس على تحمل مشقة السجن أحب إلى من مواقعتي المعصية. فأما قوله: {وإلا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين} فهو تصريح بأن شيئا من الطاعات لا يتم إلا بمعونة الله تعالى ولطفه.
الشبهة الخامسة:
كيف يجوز على يوسف مع نبوته أن يعول على غير الله في الخلاص من السجن في قوله للذى كان معه {اذكرني عند ربك} حتى وردت الروايات أنه إنما طال مقامه في الحبس لأنه عول على غير الله؟
الجواب:
أن الدنيا دار الاسباب، فالتمسك بالأسباب لا ينافى حقيقة التوكل.
الشبهة السادسة:
ما الحكمة في طلب أخيه من إخوته، ثم حبسه عن الرجوع إلى أبيه مع علمه بما يلحق أباه من الحزن؟ وهل هذا إلا ضرر بأبيه؟
الجواب: إنما فعل ذلك بوحى من الله تعالى إليه زيادة في امتحان أبيه. والمراد من قوله: {سنراود عنه أباه} ليس الخداع والكذب بل اللطف والاحتيال.
الشبهة السابعة:
فما معنى جعل السقاية في رحل أخيه؟
الجواب: أما جعل السقاية في رحل أخيه فالغرض منه التسبب إلى احتباس أخيه عنده. ويجوز أن يكون ذلك بأمر الله تعالى. وروى أنه أعلم أخاه بذلك ليجعله طريقا إلى التمسك به. وعلى هذا الوجه لا يكون ذلك سببا لادخال الغم في قلب أخيه.
فإن قلت فلا أقل من أن يكون ذلك سببا لتعريض أخيه لتهمة السرقة؟
قلت: لا نسلم فان وجود السقاية في رحل أخيه يحتمل وجوها كثيرة، فمن صرفه إلى السرقة كان هو المقصر. وأما نداء المنادى- أنهم سارقون- ففيه ثلاثة أوجه:
الأول: أنه ما كان بأمره عليه السلام، بل نادى بذلك واحد من القوم لما فقدوا الصواع.
الثاني: هب أنه كان بأمره لكنه لم يناد بأنهم سرقوا الصواع بل نادى بأنهم سارقون، فلعل المراد أنهم سرقوا يوسف من أبيه.
الثالث: أن الكلام خارج على معنى الاستفهام، وإن كان ظاهره ظاهر الخبر كأنه قال: أإنكم لسارقون؟ فأسقط همزة الاستفهام كما أسقطت في قوله: {هذا ربى}.
الشبهة الثامنة:
ما بال يوسف لم يعلم أباه خبره حتى تسكن نفسه ويزول حزنه؟
والجواب: لعله امتنع عنه بأمر الله تشديدا على يعقوب عليه السلام.
الشبهة التاسعة:
قال الله تعالى: {ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا} وكيف رضى بأن يسجدوا له والسجود لا يكون إلا لله، وكيف رضى باستخدام الابوين؟
الجواب:
المعنى خروا لاجله سجدا لله.
فإن قلت: هذا التأويل يفسده قوله تعالى: {يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربى حقا}.
قلت: لا نسلم، فان تأويل رؤياه: بلوغه أرفع المنازل، فلما رأى أبويه على أشرف الحالات في الدارين كان ذلك مصدقا لرؤياه المتقدمة.
الشبهة العاشرة:
ما معنى قوله تعالى حكاية عنه: {من بعد أن نزغ الشيطان بينى وبين إخوتى}؟
جوابه: أن النزغ الشيطاني كان منهم إليه لا منه إليهم، وهو كقول القائل: كان بينى وبين فلان شر، وإن كان من أحدهما دون الثاني.
الشبهة الحادية عشرة:
ما معنى قوله عليه السلام: {اجعلني على خزائن الارض} وكيف يجوز أن يطلب الولاية من قبل الظالم؟
جوابه: إنما التمس بتمكينه من خزائن الأرض ليحكم فيها بالعدل لأنه بسبب نبوته كان مستحقا لذلك وللمستحق أن يتوصل إلى حقه بأى طريق كان. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}
قوله تعالى: {مِن مِّصْرَ}: يجوز فيه أوجه، أحدها: أن يتعلق بنفسِ الفعل قبله، أي: اشتراه مِنْ مصر كقولك: اشتريت الثوب مِنْ بغداد فهي لابتداء الغاية، وقولُ أبي البقاء: أي: فيها، أو بها لا حاجةَ إليه. والثاني: أنه متعلقٌ بمحذوف على أنه حالٌ من: {الذي}. والثالث: أنه حالٌ من الضمير المرفوع في: {اشتراه} فيتعلَّق بمحذوفٍ أيضًا. وفي هذين نظر إذ لا طائل في هذا المعنى. و: {لأمرأتِه} متعلقٌ بقال فهي للتبليغ، وليست متعلقةً ب {اشتراه}.
قوله: {وكذلك} الكاف كما تقدم في نظائره حال من ضميرٍ المصدر أو نعتٌ له، أي: ومثلَ ذلك الإِنجاء والعطف مكَّنَّا له، أي: كما أَنْجَيْناه وعَطَفْنا عليه العزيز مكَّنَّا له في أرض مصر.
قوله: {وَلِنُعَلِّمَهُ} فيه أوجه، أحدُها، أن يتعلق بمحذوف قبله، أي: وفَعَلْنا ذلك لنعلِّمه. والثاني: أن يتعلَّق بما بعده، أي: ولنعلِّمه فَعَلْنا كيت وكيت. الثالث: أن يتعلقَ ب: {مكَّنَّا} على زيادة الواو والهاء في: {أمره} يجوز أن تعود على الجلالة، وأن تعودَ على يوسف، فالمعنى على الأول: لا نُمْنَعُ عمَّا نشاء، ولا نُنازَعُ عَمَّا نريد، وعلى الثاني: نُدَبِّره ولا نَكِلُه إلى غيره فقد كادوه إخوتُه فلم يَضُرُّوه بشيء.
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)}
قوله تعالى: {أَشُدَّهُ}: فيه ثلاثة أقوال، أحدها: وهو قول سيبويه أنه جمعٌ مفردُه: {شِدَّة} نحو: نِعْمة وأنْعُم. الثاني: قول الكسائي: أن مفردَه: {شَدّ} بزنةِ فَعْل نحو صَكّ وأصُكّ، ويؤيِّده قولُ الشاعر:
عَهْدي به شَدَّ النهارِ كأنما ** خُضِبَ البَنانُ ورأسُه بالعِظْلِمِ

الثالث: أنه جمعٌ لا واحدَ له من لفظه قاله أبو عبيدة، وخالفه الناسُ في ذلك، إذ قد سمع شدَّة وشَدَ وهما صالحان له وهو مِن الشَّدِّ وهو الربطُ على الشيء والعقدُ عليه. قال الراغب: وقولُه تعالى: {حتى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ} فيه تنبيهُ أن الإِنسان إذا بلغ هذا القَدْرَ يتقوى خُلُقُه الذي هو عليه فلا يكاد يزايله، وما أحسنَ ما تنبَّه له الشاعرُ حيث يقول:
إذا المَرْءُ وافى الأربعينَ ولم يكنْ ** له دونَ ما يهوى حَياءٌ ولا سِتْرُ

فَدَعْه ولا تَنْفِسْ عليه الذي مضى ** وإنْ جَرَّ أسبابَ الحياةِ له العُمْرُ

وقوله: {وَكَذَلِكَ} إمَّا نعتٌ لمصدر محذوف أو حالٌ من ضمير المصدر وتقدَّم نظائره. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 22] وفي سورة القصص: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [القصص: 14]، للسائل أن يسأل عن ثبوت قوله: {واستوى} في سورة القصص ولم يثبت ذلك في سورة يوسف؟ وهل كان يمكن ورود العكس في الآيتين؟
والجواب عن ذلك: أن الأشد مختلف فيه من البلوغ إلى استكمال أربعين سنة، وقد قيل بالزيادة على الأربعين، وظاهر القرآن أن الأشد يقع على دون الأربعين لقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} [الأحقاف: 15]، فلو كان الأشد الأربعين لأدى إلى عطف الشيء على نفسه، فإنما الكلام في قوة أن لو قيل: حتى إذا بلغ أشده واستكمل وتم بالزيادة، والله أعلم، وإذا كان وقوع الأشد على ما ذكرنا، ولا يكون إلا على خال من العمر يحسن في الظبط والتدبير، والإحكام للأمور، والفهم للخطاب، وتحقيق مقادير الأمور، وهذا بِجَرْي العادة إنما ابتداؤه عند البلوغ أو قبل البلوغ، ثم يستحكم إلى الغاية التي إليها انتهاء تمام القوة واستحكام العقل، وتلك الأربعون، وعلى رأس الأربعين سنة بعث الله نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم، ثم أن الله سبحانه قال في قصة يحيى بن زكريا، عليه السلام: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم: 12]، وهذا ولابد في غير (سن) الأربعين، وقال تعالى في قصة يوسف، عليه السلام، إنما ابتدئ بالوحي وسماع الكلام بعد فراره خوفًا من فرعون، قال تعالى: {فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 21] وأفصحت آي القرآن أن ذلك كان بعد رجوعه وإنكاح شعيب عليه السلام إياه ابنته، ولم يخرج من مصر حتى ائتمر به للقتل وبعد وكز الذي كان من عدوه وقضائه عليه، ومجموع هذا إنما هو بخروجه، عليه السلام، عن سن الابتداء إلى استكمال الأشد وهو الاستواء، فقيل في قصته: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} [القصص: 14] أي استكمل وانتهى إلى أحسن الحالات في السن، وأما يوسف، عليه السلام، في الوحي إليه في الجب فحاله وإن بلغ ما يسمى أشدًا غير حالة الاستواء، فامتنع مجيء الاستواء في قصته وورد في قصة موسى، وكلام المفسرين إذا تؤمل وإن لم يكن إفصاحًا مشعر بهذا، فجاء كل على ما يجب، والله أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَقَالَ الذي اشْتَراهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِى مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}.
لمَّا نودي على يوسف في مصر بالبيع لم يَرْضَ الحقُّ- سبحانه- حتى أصابتهم الضرورةُ ومَسَّتْهُمْ الفاقة حتى باعوا من يوسف عليه السلام جميعَ أملاكهم، ثم باعوا كلُّهم منه أنْفُسَهم- كما في القصة- وفي آخر أمرهم طلبوا الطعام، فصاروا بأجمعهم عبيدَه، ثم إنه عليه السلام لما مَلَكَهم مَنَّ عليهم فأعتقهم؛ فَلَئنْ مَرَّ عليه بمصرَ يومٌ نودي فيه عليه بالبيع؛ فقد أصبح بمصر يومًا آخر وقد ملَكَ جميعَ أملاكهم، ومَلَكَ رقابَ جميعهم؛ فيومٌ بيومٍ، قال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5] يومان شَتَّان بينهما!
ثم إنه أعتقهم جميعًا ** وكذا الكريمُ إذا قدر غفر.

قوله جل ذكره: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ في الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ}.
أراد مَنْ حَسَدَه أَلا تكونَ له فضيلةٌ على إخوته وذويه، وأراد اللهُ أن يكونَ له مُلْكُ الأرضِ، وكان ما أراد اللهُ لا ما أراد أعداؤه.
قوله جلّ ذكره: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ}.
أرادوا أن يكونَ يوسفُ عليه السلام في الجُبِّ، وأراد اللَّهُ- سبحانه- أن يكون يوسف على سرير المُلْكِ؛ فكان ما أراد الله، والله غالبٌ على أمره. وأرادوا أن يكون يوسفُ عبدًا لمن ابتاعوه من السيارة، وأراد اللهُ أن يكونَ عزيزَ مصر- وكان ما أراد اللَّهُ.
ويقال العِبْرَةُ لا ترى من الحقِّ في الحال، وإنما الاعتبارُ بما يظهر في سِرِّ تقديره في المآل.
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)}
من جملة الحُكمْ الذي آتاه اللَّهُ نفوذُ حُكْمِه على نَفْسِه حتى غَلَبَ شهوته، وامتنع عما رَاوَدَتْه تلك المرأةُ عن نَفْسِه؛ ومن لا حكم له على نفسه فلا حكْمَ له على غيره.
ويقال إنما قال: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} أي حين استوى شبابُه واكتملت قُوْته، وكان وقت استيلاء الشهوة، وتوفر دواعي مطالبات البشرية آتاه الله الحِكْمَ الذي حبسه على الحقِّ وصَرَفَه عن الباطل، وعَلِمَ أنَّ ما يعقب اتباع اللذاتِ من هواجم النَّدم أشدُّ مقاساةً من كلفة الصبر في حال الامتناع عن دواعي الشهوة... فآثَرَ مَشَقَّةَ الامتناع على لَذَّةِ الاتباع. وذلك الذي أشار إليه الحقُّ- سبحانه- من جميل الجزاء الذي اعطاه هو إمدادُه بالتوفيق حتى استقام في التقوى والورع على سَوَاءِ الطريق، قالَ تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69] أي الذين جاهدوا بسلوك طريق المعاملة لنهدينهم سُبَلَ الصبرِ على الاستقامة حتى تتبين لهم حقائقُ المواصلة. اهـ.

.تفسير الآية رقم (23):

قوله تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أخبر تعالى أن سبب النعمة عليه إحسانه، أتبعه دليله فقال: {وراودته} أي راجعته الخطاب ودارت عليه بالحيل، فهو كناية عن المخادعة التي هي لازم معنى راد يرود- إذا جاء وذهب: {التي} هي متمكنة منه غاية المكنة بكونه: {هو في بيتها} وهو في عنفوان الشباب: {عن نفسه} أي مراودة لم تكن لها سبب إلا نفسه، لأن المراودة لا يمكن أن تتجاورز نفسه إلاّ بعد مخالطتها- كما تقول: كان هذا عن أمره، وذلك بأن دارت عليه بكل حيلة ونصبت له أشراك الخداع وأقامت حينًا تفتل له في الذروة والغارب، وذلك لأن مادة راد واوية ويائية بجميع تقاليبها السبعة: رود، ودور، وورد، ودير وردي، وريد، ودري- تدور على الدوران، وهو الرجوع إلى موضع الابتداء، ويلزم منه القصد والإتيان والإقبال والإدبار والرفق والمهلة وإعمال الحيلة وحسن النظر، وربما يكون عن غير قصد فتأتي منه الحيرة فيلزم الفساد والهلاك، يقال: دار فلان يدور- إذا مشى على هيئة الخلقة، والدهر دواري- لدورانه باهله بالرفع والحط، والدوار: شبه دوران في الرأس، ودارة القمر معروفة، والدائرة: الحلقة والدار تجمع العرصة والبناء- لدوران بنائها وللدوران فيها وللذهاب منها والرجوع إليها، والداري: الملاح الذي يلي الشراع، وهو القلع- لأنه يديره على عمود المركب، أو لأنه يلزم دار السفينة؛ والرائد: الذي يرتاد الكلأ، أي يذهب ويجيء في طلبه- لمّا لم يكن له مقصد من الأرض معين كأنه يدور فيها، والذي لا يكذب أهله، وكل طالب حاجة- قاله ابن دريد.